سورة الأنبياء - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


{قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم} يحفظكم {باليل والنهار مِنَ الرحمن} أي من عذابه إن أتاكم ليلاً أو نهاراً {بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ مُّعْرِضُونَ} أي بل هم معرضون عن ذكره ولا يخطورنه ببالهم فضلاً أن يخافوا بأسه حتى إذا رزقوا الكلاءة منه عرفوا من الكاليء فصلحوا للسؤال عنه، والمعنى أنه أمر رسوله بسؤالهم عن الكاليء، ثم بين أنهم لا يصلحون لذلك لإعراضهم عن ذكر من يكلؤهم.
ثم أضرب عن ذلك بقوله {أَمْ لَهُمْ الِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا} لما في (أم) من معنى (بل) فقال: ألهم الهة تمنعهم من العذاب تتجاوز منعنا وحفظنا. ثم استأنف بقوله {لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ} فبين أن ما ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمصحوب من الله بالنصر والتأييد كيف يمنع غيره وينصره. ثم قال: {بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاء وَءابَاءهُمْ حتى طَالَ عَلَيْهِمُ العمر} أي ما هم فيه من الحفظ والكلاءة إنما هو منا لا من مانع يمنعهم من إهلاكنا، وما كلأناهم وآباءهم الماضين إلا تمتيعاً لهم بالحياة الدنيا وإمهالاً كما متعنا غيرهم من الكفار وأمهلناهم حتى طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وظنوا أنهم دائمون على ذلك وهو أمل كاذب {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} أي نقص أرض الكفر ونحذف أطرافها بتسليط المسلمين عليها وإظهارهم على أهلها وردها دار إسلام، وذكر {نَأْتِى} يشير بأن الله يجريه على أيدي المسلمين وإن عساكرهم كانت تغزو أرض المشركين وتأتيها غالبة عليها ناقصة من أطرافها {أَفَهُمُ الغالبون} أفكفار مكة يغلبون بعد أن نقصنا من أطراف أرضهم أي ليس كذاك بل يغلبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بنصرنا.
{قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بالوحى} أخوفكم من العذاب القرآن {وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعاء} بفتح الياء والميم ورفع الصم، {ولا تسمع الصم} شامي على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم {إِذَا مَا يُنذَرُونَ} يخوفون. واللام في {الصم} للمعهد وهو إشارة إلى هؤلاء المنذرين، والأصل ولا يسمعون إذا ما ينذرون فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامهم وسدهم أسماعهم إذا ما أنذروا.


{وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ} دفعة يسيرة {مّنْ عَذَابِ رَبّكَ} صفة ل {نفحة} {لَيَقُولُنَّ ياويلنا إِنَّا كُنَّا ظالمين} أي ولئن مسهم من هذا الذي ينذرون به أدنى شيء لذلوا ودعوا بالويل على أنفسهم وأقروا أنهم ظلموا أنفسهم حين تصاموا وأعرضوا، وقد بولغ حيث ذكر المس والنفحة لأن النفح يدل على القلة يقال نفحه بعطية: رضخه بها مع أن بناءها للمرة. وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات لأن النفح في معنى القلة والنزارة يقال: نفحته الدابة وهو رمح لين، ونفحه بعطية رضخه والبناء للمرة.
{وَنَضَعُ الموازين} جمع ميزان وهو ما يوزن به الشيء فتعرف كميته. وعن الحسن: هو ميزان له كفتان ولسان. وإنما جمع الموازين لتعظيم شأنها كما في قوله {يا أيها الرسل} [المؤمنون: 51] والوزن لصحائف الأعمال في قول: {القسط} وصفت الموازين بالقسط وهو العدل مبالغة كأنها في نفسها قسط، أو على حذف المضاف أي ذوات القسط {لِيَوْمِ القيامة} لأهل يوم القيامة أي لأجلهم {فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} من الظلم {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ} وإن كان الشيء مثقال حبة {مثقال} بالرفع: مدني وكذا في (لقمان) على (كان) التامة {مّنْ خَرْدَلٍ} صفة ل {حبة} {أَتَيْنَا بِهَا} أحضرناها. وأنت ضمير المثقال لإضافته إلى الحبة كقولهم (ذهبت بعض أصابعه) {وكفى بِنَا حاسبين} عالمين حافظين، عن ابن عباس رضي الله عنهما: لأن من حفظ شيئاً حسبه وعلّه.
{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء وَذِكْراً} قيل: هذه الثلاثة هي التوراة فهي فرقان بين الحق والباطل، وضياء يستضاء به ويتوصل به إلى سبيل النجاة، وذكر أي شرف أو وعظ وتنبيه أو ذكر ما يحتاج الناس إليه في مصالح دينهم. ودخلت الواو على الصفات كما في قوله {وَسَيّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيّا} [آل عمران: 39] وتقول (مررت بزيد الكريم والعالم والصالح). ولما انتفع بذلك المتقون خصهم بقوله: {لّلْمُتَّقِينَ}


ومحل {الذين} جر على الوصفية أو نصب على المدح أو رفع عليه {يَخْشَوْنَ رَبَّهُم} يخافونه {بالغيب} حال أي يخافونه في الخلاء {وَهُمْ مّنَ الساعة} القيامة وأهوالها {مُشْفِقُونَ} خائفون {وهذا} القرآن {ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ} كثير الخير غزير النفع {أنزلناه} على محمد {أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} استفهام توبيخ أي جاحدون أنه منزل من عند الله.
{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ} هداه {مِن قَبْلُ} من قبل موسى وهرون أو من قبل محمد عليه السلام {وَكُنَّا بِهِ} بابراهيم أو برشده {عالمين} أي علمنا أنه أهل لما آتيناه {إِذْ} إما أن تتعلق ب {اتيناه} أو ب {رشده} {قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذه التماثيل} أي الأصنام المصورة على صورة السباع والطيور والإنسان، وفيه تجاهل لهم ليحقر آلهتهم مع علمه بتعظيمهم لها {التى أَنتُمْ لَهَا عاكفون} أي لأجل عبادتها مقيمون. فلما عجزوا عن الإتيان بالدليل على ذلك.
{قَالُواْ وَجَدْنَا ءابَاءنَا لَهَا عابدين} فقلدناهم {قَالَ} إبراهيم {لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمْ فِى ضلال مُّبِينٍ} أراد أن المقلدين والمقلدين منخرطون في سلك ضلال ظاهر لا يخفى على عاقل، وأكد ب {أنتم} ليصح العطف لأن العطف على ضمير هو في حكم بعض الفعل ممتنع {قَالُواْ أَجِئْتَنَا بالحق} بالجد {أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين} أي أجاد أنت فيما تقول أم لاعب استعظاماً منهم إنكاره عليهم واستبعاداً لأن يكون ما هم عليه ضلالاً، فثم أضرب عنهم مخبراً بأنه جاد فيما قال غير لاعب مثبتاً لربوبية الملك العلام وحدوث الأصنام بقوله:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8